أروع ما يمكن أن يتمناه الإنسان أن يعيش الحب ويتذوقه، فحينما تحب شخصاً أكثر من سائر الأشياء والأشخاص في العالم كله، وتدرك أنه أطيب وأحلى وأروع وأعز وأعظم وأثمن من تحبه في العالم، وتعتني بــه وتشاركــه مشكلاتــه ومتاعبه، وتُشبع رغباته، وتســد حاجاتــه، وتجــد لذتــك في البــذل لــه دون انتظــار لعائــد أو مكافأة، ستختبر عذوبة الحياة لأنك أعطيت أحلى ما عندك وأغلى مشاعرك. وهذا هو مفهوم الحب السامي، الحب الناضج. أن تبذر الحب والعطاء من حولك، فيمتلئ قلبك بالحياة، ويضيء النور خطواتك، لأن الحب يبعث إلهاماً صادقاً يجعلك رائعاً رقيقاً دافئاً طيباً.
كانت في قديم الزمان جزيرة تتجمع فيها كل المشاعر البشرية، من فرح وحزن ومعرفة... الخ ومعها الحب، وفي يوم من الأيام، عرفت المشاعر أن الجزيرة على وشك أن تغرق، فقررت الإبحار بعيداً عنها، بينما بقيّ الحب الذي أراد أن يعيش فيها إلى آخر لحظة ممكنة، وعندما أوشكت الجزيرة على الغرق، طلب الحب المساعــدة من الغنىّ الذي كان يمــر أمامــه بسفينته العظيمة، وقال الحب: «هل يمكنك أيها الغنىّ أن تأخذني معك؟» أجابه الغنىّ: «بالطبع لا لأن سفينتي محملة بكل أنواع الذهب والفضة، ولا يوجد لك مكان هنا».
قرر الحب أن يسأل المساعدة من الغرور الذي كان أيضاً يمر أمامه في سفينته الضخمة، «أرجوك أن تساعدني أيها الغرور». أجابه الغرور: «لا أستطيع أن أساعدك أيها الحب، لأنك مبتل وربما أتلفت سفينتي»، وكان الحزن قريباً من الحب، فسأله المساعدة: «دعني أعبر معك أيهـــا الحزن». أجابه الحــــــزن: «لا أستطيع ذلك أيهـــــا الحـــب، لأننـــي حــزيـــن، ولا أريــد إلا أن أكــون مع نفســي». ومرت السعادة بجوار الحب أيضا، ولكنها في غمرة سعادتها لم تستطع أن تستمع لنداء الحب. وفجأة سمع الحب من يناديه: «تعال أيها الحب، لأني سآخذك معي»، وكان الصوت لعجوز كبير السن، شعر الحب بسعادة غامرة أنسته أن يسأل العجوز عن اسمه، وعندما وصل للأرض، تركه العجوز ومضى، وهنا أراد الحب أن يعرف اسم هذا العجوز ويشكره، فسأل المعرفة وهي أيضاً عجوز كبيرة السن، «من الذي ساعدني؟»! أجابته المعرفة: «إنه الزمن». فسألها الحب متعجباً: «الزمن؟»!
وهنا ابتسمت المعرفة، وبحكمة عظيمة أجابته: نعم «الزمن»؛ فالزمن هو الوحيد الذي يستطيع أن يُقدِّر قيمة الحب الحقيقية؛ إن قيمة الحب الحقيقية تجعلك تعيش مضحياً دون أن تشعر أنك شهيد، لأنك تحتضن في قلبك ما لا يستطيع إنسان أن يلمسه بيديه.